الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
وفي قراءة ابن مسعود {وَقُلُوبُهُمْ أَشَتُّ} بمعنى أشد تشتيتًا، أي أشد اختلافًا.وفي اختلاف قلوبهم وجهان:أحدهما: لأنهم على باطل، والباطل مختلف، والحق متفق.الثاني: أنهم على نفاق، والنفاق اختلاف.وقوله تعالى: {كمثل الذين من قبلهم قريبًا} الآية. فيه أربعة أقاويل:أحدها: أنهم كفار قريش يوم بدر، قاله مجاهد.الثاني: أنهم قتلى بدر، قاله السدي، ومقاتل.الثالث: أنهم بنو النضير الذين أجلوا من الحجاز إلى الشام، قاله قتادة.الرابع: أنهم بنو قريظة، كان قبلهم إجلاء بني النضير.{ذاقوا وبال أمرهم} بأن نزلوا على حكم سعد بن معاذ فحكم فيهم بقتل مقاتليهم وسبي ذراريهم، قاله الضحاك. وفيه وجهان:أحدهما: في تجارتهم.الثاني: في نزول العذاب بهم.{كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر} فيه قولان:أحدهما: أنه مثل ضربه الله الكافر في طاعته للشيطان، وهو عام في الناس كلهم، قاله مجاهد.الثاني: أنها خاصة في سبب خاص صار به المثل عامًا، وذلك ما رواه عطية العوفي عن ابن عباس أن راهبًا كان في بني إسرائيل يعبد الله فيحسن عبادته، وكان يؤتى من كل أرض يسأل عن الفقه وكان عالمًا، وأن ثلاثة إخوة كانت لهم أخت من أحسن النساء مريضة، وأنهم أرادوا سفرًا فكبر عليهم أن يذروها ضائعة، فجعلوا يأتمرون فيما يفعلون، فقال أحدهم: ألا أدلكم على من تتركونها عنده؟ فقال له من؟ فقال: راهب بني إسرائيل، وإن مات قام عليها، وإن عاشت حفظها حتى ترجعوا إليه، فعمدوا إليه وقالوا: إنا نريد السفر وإنا لا نجد أحدًا أوثق في أنفسنا منك ولا آمن علينا غيرك، فاجعل أختنا عندك فإنها ضائعة مريضة، فإن ماتت فقم عليها، وإن عاشت فاحفظها حتى نرجع، فقال: أكفيكم إن شاء الله، وإنهم انطلقوا، فقام عليها وداواها حتى برئت فلم يزل به الشيطان يزين له حتى وقع عليها وحبلت، ثم تقدم منه الشيطان فزين له قتلها وقال: إن لم تفعل افتضحت، فقتلها.فلما عاد إخوتها سألوه عنها فقال: ماتت فدفنتها، قالوا أحسنت، فجعلوا يرون في المنام أن الراهب قتلها وأنها تحت شجرة كذا، فعمدوا إلى الشجرة فوجدوها قد قتلت، فأخذوه، فقال له الشيطان: أنا الذي زينت لك قتلها بعد الزنى فهل لك أن أنجيك وتطيعني؟ قال: نعم، قال فاسجد لي سجدة واحدة، فسجد ثم قتل، فذلك قوله تعالى: {كمثل الشيطان} فكذا المنافقون وبنو النضير مصيرهم إلى النار.{يأيها الذين ءامنوا اتقوا الله} روى معن أو عون ابن مسعود أن رجلًا أتاه فقال: اعهد لي، فقال: إذا سمعت الله يقول: {يأيها الين ءامنوا} فأرعها سمعك فإنه خير تؤمر به أو شر تنهى عنه.وفي هذه التقوى وجهان:أحدهما: اجتناب المنافقين.الثاني: هو اتقاء الشبهات.{ولتنظر نفس ما قدمت لغد} قال ابن زيد: ما قدمت من خير أو شر.{لغد} يعني يوم القيامة والأمس: الدنيا. قال قتادة: إن ربكم قدم الساعة حتى جعلها لغد.{واتقوا الله} في هذه التقوى وجهان:أحدهما: أنها تأكيد للأولى.والثاني: أن المقصود بها مختلف وفيه وجهان:أحدهما: أن الأولى التوبة مما مضى من الذنوب، والثانية اتقاء المعاصي في المستقبل.الثاني: أن الأولى فيما تقدم لغد، الثانية فيما يكون منكم.{إن الله خبير بما تعملون} فيه وجهان:أحدهما: أن الله خبير بعملكم.الثاني: خبير بكم عليم بما يكون منكم، وهو معنى قول سعيد بن جبير.{ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم} فيه أربعة أوجه:أحدها: نسوا الله أي تركوا أمر الله، فأنساهم أنفسهم أن يعملوا لها خيرًا، قاله ابن حبان.الثاني: نسوا حق الله فأنساهم حق أنفسهم، قاله سفيان.الثالث: نسوا الله بترك شكره وتعظيمه فأنساهم أنفسهم بالعذاب أن يذكر بعضهم بعضًا، حكاه ابن عيسى.الرابع: نسوا الله عند الذنوب فأنساهم أنفسهم عند التوبة، قاله سهل.ويحتمل خامسًا: نسوا الله في الرخاء فأنساهم أنفسهم في الشدائد.{أولئك هم الفاسقون} فيه تأويلان:أحدهما: العاصون: قاله ابن جبير.الثاني: الكاذبون، قاله ابن زيد.{لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة} يحتمل وجهين:أحدهما: لا يستوون في أحوالهم، لأن أهل الجنة في نعيم، وأهل النار في عذاب.الثاني: لا يستوون عند الله، لأن أهل الجنة من أوليائه، وأهل النار من أعدائه.{أصحاب الجنة هم الفائزون} فيه وجهان:أحدهما: المقربون المكرمون.الثاني: الناجون من النار، قاله ابن حبان.{لو أنزلنا هذا القرءآن على جبل} يحتمل وجهين:أحدهما: أن يكون خطابًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم إننا لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لما ثبت له بل انصدع من نزوله عليه، وقد أنزلناه عليك وثبتناك له، فيكون ذلك امتنانًا عليه أن ثبته لما لا تثبت له الجبال.الثاني: أنه خطاب للأمة، وأن الله لو أنذر بهذا القرآن الجبال لتصدعت من خشية الله، والإنسان أقل قوة وأكثر ثباتًا، فهو يقوم بحقه إن أطاع، ويقدرعلى رده إن عصى، لأنه موعود بالثواب ومزجور بالعقاب.وفيه قول ثالث: إن الله تعالى ضربه مثلًا للكفار أنه إذا نزل هذا القرآن على جبل خشع لوعده وتصدع لوعيده، وأنتم أيها المقهروون بإعجازه لا ترغبون في وعده ولا ترهبون من وعيده.{هو الله الذي لا إله إلا هو} كان جابر بن زيد يرى أن اسم الله الأعظم هو الله، لمكان هذه الآية.{عالم الغيب والشهادة} فيه أربعة أقاويل:أحدها: عالم السر والعلانية، قاله ابن عباس.الثاني: عالم ما كان وما يكون.الثالث: عالم ما يدرك وما لا يدرك من الحياة والموت والأجل والرزق.الرابع: عالم بالآخرة والدنيا، قاله سهل.{هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس} في {القدوس} أربعة أوجه:أحدها: أنه المبارك، قاله قتادة، ومنه قول رؤبة: الثاني: أنه الطاهر، قاله وهب، ومنه قول الراجز: الثالث: أنه اسم مشتق من تقديس الملائكة، قاله ابن جريج، وقد روي أن من تسبيح الملائكة سبوح قدوس رب الملائكة والروح.الرابع: معناه المنزه عن القبائح لاشتقاقه من تقديس الملائكة بالتسبيح فصار معناهما واحد.وأما {السلام} فهو من أسمائه تعالى كالقدوس، وفيه وجهان:أحدهما: أنه مأخوذ من سلامته وبقائه، فإذا وصف المخلوق بمثله قيل سالم وهو في صفة الله سلام، ومنه قول أمية بن أبي الصلت: الثاني: أنه مأخوذ من سلامة عباده من ظلمه، قاله ابن عباس.وفي {المؤمن} ثلاثة أوجه: أحدها: الذي يؤمن أولياءه من عذابه الثاني: أنه مصدق خلقه في وعده، وهو معنى قول ابن زيد.الثالث: أنه الداعي إلى الإيمان، قاله ابن بحر.وأما {المهيمن} فهو من أسمائه أيضًا، وفيه خمسة أوجه:أحدها: معناه الشاهد على خلقه بأعمالهم، وعلى نفسه بثوابهم، قاله قتادة، والمفضل، وأنشد قول الشاعر: والثاني: معناه الأمين، قاله الضحاك.الثالث: المصدق، قاله ابن زيد.الرابع: أنه الحافظ، حكاه ابن كامل، وروي أن عمر بن الخطاب قال: إني داع فهيمنوا، أي قولوا آمين حفظنا الدعاء، لما يرجى من الإجابة.الخامس: الرحيم، حكاه ابن تغلب واستشهد بقول أمية بن أبي الصلت: {العزيز} هو القاهر، وفيه وجهان:أحدهما: العزيز في امتناعه.الثاني: في انتقامه.{الجبار} فيه أربعة أوجه:أحدها: معناه العالي العظيم الشأن في القدرة والسلطان.الثاني: الذي جبر خلقه على ما شاء، قاله أبو هريرة، والحسن، وقتادة.الثالث: أنه الذي يجبر فاقة عباده، قاله واصل بن عطاء.الرابع: أنه الذي يذل له من دونه.{المتكبر} فيه ثلاثة أوجه:أحدها: المتكبر عن السيئات، قاله قتادة.الثاني: المستحق لصفات الكبر، والتعظيم، والتكبر في صفات الله مدح، وفي صفات المخلوقين ذم.الثالث: المتكبر عن ظلم عباده.{هو الله الخالق} فيه وجهان:أحدهما: أنه المحدِث للأشياء على إرادته.الثاني: أنه المقدر لها بحكمته.{الْبارئ} فيه وجهان:أحدهما: المميز للخلق، ومنه قوله: برئت منه، إذا تميزت منه.الثاني: المنشئ للخلق، ومنه قول الشاعر: {المصور} فيه وجهان:أحدهما: لتصوير الخلق على مشيئته.الثاني: لتصوير كل جنس على صورته. فيكون على الوجه الأول محمولًا على ابتداء الخلق بتصوير كل خلق على ما شاء من الصور. وعلى الوجه الثاني يكون محمولًا على ما استقر من صور الخلق، فيحدث خلق كل جنس على صورته وفيه على كلا الوجهين دليل على قدرته.
|